نعي أليم

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالى (وبشرالصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)
لقد كانت الفاجعة كبيرة والمصاب جللآ و الصدمة عنيفةً وقاسيةً يوم نعى الناعى الخبر الأليم بأن أختنا الشفة حسن فقير قد فاضت روحها إلى بارئها.
لقد كنا نحلم ونتفاءل ونعيش في أمل كبير بأن ترجع أختنا الشفة سالمةً معافاةً ونفرح بعودتها فرحاً عظيماً, لاسيما وأننا كنا نتابع حالتها عبر الهاتف ونراها عبر الإنترنت ونبشر ونطمأن بأن حالتها في تحسن مستمر , لكن العلي القدير آثر بأن يختارها إليه فتذهب روحها إلى بارئها ويعود إلينا بدنها الطاهر الذي وري الثرى.
لقد كانت أختنا الشفة قويةً وصابرةً على ما يعتصرها من ألمٍ ومرضٍ, بل كانت تسأل عن أحوال من تركتهم على فراش المرض بالسودان وهي تعاني ما تعاني, وقلقها الأكبر لم يكن على نفسها بل على ابنها محمد .
لقد كانت الأخت الشفة كأم عيالي الثانية بالسودان ترعى أبنائي وتشفق وتعطف عليهم وتكرم ضيوفهم وتحسن إليهم _لمن أنهوا دراستهم بالسودان ولمن ما زالوا يدرسون هنالك_ولو كتبت عنها كتاباً كاملاً لما أوفيتها حقها . ولو كنا نستطيع أن نرد القدر لفديناها بالنفس والنفيس .
لقد كانت الأخت الشفة صوامةً,قوامةً,عابدةً,ورعةً,تقيةً, كريمة النفس ,عفيفةً ,طاهرةً, عاليةالروح ,صابرةً محتسبةً لما أصابها من قضاء الله وقدره وهي في ريعان شبابها. لقد ذهبت إلى ربها نقيةً بيضاء لم تخطىء طوال حياتها على أحدٍ ولم تخاصم أحداً بل كانت تحنو وتشفق حتى على الطيور والحيوانات و تقوم بإطعامها وسقياها .
اللهم اجعلها في عليين وأكرم نزلها وتقبلها قبولاً طيباً بقدر ما أحسنت وصبرت وألهم كل محزونٍ على فراقها الصبر والسلوان.
وفي الختام الشكر موصولُُ لكل من مد يد العون لعلاجها ولكل الوفود والحشود التي جاءت للعزاء ولكل من اتصل معزياً هنا وهنالك, ونسأل الله العلي القدير ألا يريهم مكروهاً في عزيزٍ لديهم وإنا لله وإنا إليه راجعون .
بقلم/ياسين مبارك الفاضل

إنا لله وإنا إليه راجعون

اللهم ارحمها وادخلها فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء والزم اهلها وذويها الصبر والسلوان انا لله وانا اليه راجعون

والعزاء موصول للأسرة الكريمة!!

اللهم ارحمها يارب العالمين

هي رسالـةٌ أخرى كتبَهـا صوتُـكِ وهو يطرقُ مسامعَ قلبي كلّ حيـنٍ، كتبتْـها ارتعاشـةُ أنامل فقدَتْ هدْأَتَها بغيابِـكِ !
البيـتُ تتعاورُه عطورُكِ، بسماتُـكِ، ذكرياتٌ تستلقي في كل زاويةٍ مرةً، قبلَ أنْ تعودَ لقلبي الذي كتبَتْـه باسمكِ!

البيتُ .. تتعاورُهُ رياحُ الحنين وهي تجتثُّ هدوئي عن دابرِه، تحرمني إغفاءةَ دمعةٍ عشقَتْني مذْ غادرْتِ، إغفاءَةَ جفنٍ صارَ مزهريةً مُريحة لبوحِها. وكلّما ابتسمـتُ لأحرسَ بسمتَكِ التي ودّعتِني بها: أراكِ !! فتراني كلُّ الدموعِ المغتربة بمراياهَا!!

أجلسُ بشرفتي أرقبُ زيارةَ القمـرِ ككلّ ليلـة، أحلـمُ بهدّيتـه الفريدة : سلّـةٌ جمَعَ لي فيهـا أزهارَ الوحدة، ومبخرَةً تتصاعدُ منها عطورُ أنفاسكِ، لتملأَ المكان والزمانَ أُنْسـاً وشوقاً وذكرى، أشتـاقُ لكِ فتشتاقُ إليكِ أشواقي نفسُها، فأُشنَـقُ كلَّ بُرهـةٍ على مرأىً منها ومنكِ!

بماذا أخبركِ ؟؟! بأنّني كلّ صباحٍ، أقومُ مِنْ شوقي أتثاءَبُ وأعطسُ حنيناً حارقاً ؟؟ أغسلُ نوافذَ قلبي مِنْ رمادِ الوحدة، وأنا أعِـدُهُا وأعِدُهُ بهديةٍ لمْ يصنعْها أحدٌ قبلي: خالية من جرعاتِ الملـح، خالية من "مستحضراتِ" الحزن التي تحفل بها محلاّتُ النفس الكبرى و..الصغرى أيضاً.
بماذا أخبركِ ؟؟! بأنني كلّ صباحٍ أهرولُ إلى البئرِ القريبةِ مِنْ غيابكِ، أغرِفُ منها قدْرَ ما يسمحُ لي أميرُ الشّوق كيْ تهاجرَ عنّي الدمعاتُ ولوْ بعض الوقت، أرتاحُ فيه من مشاكسةِ قطْرِها، مِنْ فيضِ قصيدِها ونثرِها، مِنْ مواسمِها التي أبتْ إلاّ التوقّـفَ عندَ فصلِ الشتاء، لتُنَصّبَه ملكاً على مواسمي ؟؟!
خالتي ....يشهدُ لها الفجر المشهود أنها كانت تحضره، ويشهد لها صوت المؤذن أنها كانت تسمعه ،
ويقرُّ لها ندى البكور أنها كانت تخلطه بماءالوضوء.
قلبها والسماء الصافية توأم،طيبتهاوفطرة الطفولة قرين،
ما شكى منها الثرى إذ مَـشـَتْ،ولاتوجَّع منها فراشٌ إذ غـَفَتْ،
ولاتألـّم منها قلبُ امريءِ إذ حَكَتْ،ولعل السّحب ُ تشاركها دموعاً إن بَكـَت.
أناسٌ يجهدون أنفسهم تدرجاً في معارج الصفاء،وكانت تصعد مدارج النقاء دونما علم ٍ،
وترتقي سلالم اليقين دونما إرادة،كانت روحا ً تسبِّحُ في الملكوت،وجسداً على هذه الأرض يضعفُ ليموت .
جسدها الطاهرغطـّاه التراب،وما أظن السماء أغلقت دون روحها باب،
والآن..خالتي .. بين يديّ غفور ٍتوّاب، فبوجهكِ العظيم ربّاه ...أصرف عنها العذاب،وأجعل لها الجنـّة دارمآب.
عاشت الحياةبفطرة،لاتعرف السوء ولاتزرع بـِذرَه،متوكـّلة كطير ٍلاتخشى بـُكره،
واجهت ظروف الزمن وذاقت حلاوته ومُرّه.
ماضرّها عاشت بنيةٍ كماءٍ عذب،طلعتها الإشراق ،وضحكتها الإبراق،وعلى مَن حولها الإغداق،
بوافر من الأخـلاق، وكم لاقت في أخلاق الناس جَدب،
لكن...حياتهاالسماحة والبساطة لها دَرب.
كنتُ أؤوب إليها أوبة فرخ،أحجز قربها،وأستفرد حضنها،فتفرك ليَ شعري،وتمسح بكفهاظهري،وتسمعني الحكايات،وأنا غريقٌ في متعة السماع يجذبني،والنعاس يتغشى وبيده يشدني،
فيا ذكريات الهدهده بين الحكاية والنعاس ، الموت حقٌ بالحدوثِ و بالأدلة والقياس ،
فلا مناص.