معلم في الذاكرة (1)

إن أوابد التاريخ وإن درست تحفر قصتها في عمق الذكريات فإن الذاكرة مثقلة ولابد من نفض غبار الزمن الذي علق بها حتى تزف الرؤية بدايتها فإن ماعلق بذاكرتي معلم ظل عالقاً طيلة هذه الفترة فالمعلم بشقيه شريحة من الشرائح الأساسية المكونة لإنسان هذه القرية ، بل فهم العمود الفقري لهذه القرية ، فاسمحوا لي أن انفض غبار ذاكرتي و أتناول واحداً من هذه الكواكب التي تضئ في وضحِ النهار وشمعةٌ من تلك الشموع التي لا تطفئها الأنواء فتناولي لهذا المعلم لا يعني أنني أغفلت بقية المعلمين والمعلمات لا والله لكن ماعلق في الذاكرة أحداث ارتبطت بهذا المعلم ( الأستاذ الطيب قاسم أحمد الكامل ) شيخ الطيب كما يحلو لأهلنا في القرية مناداته ونحن كذلك هذا الاسم الذي يحمل أكثر من مدلول ومعنى وهذا الاسم الذي كنا نخشاه ونحن في المرحلة الابتدائية ليست خشية الرعب والخوف و إنما خشية التأدب والاحترام.
شيخ الطيب:هذه الشخصية الفريدة في أعماقها وأريحيتها يدخل إليها الإنسان بمفتاح العلم وحين يريد أن يجري سياحة ذهنية في ربوعها ومناقبها يجد نفسه مشدودا أمام كثير من الروافد الأخرى النبيلة التي تتناغم فيما بينها لتشكل ملامح و سمات الشخصية الحضارية التي تشكل الدناقلة وإنسانها .
شيخ الطيب أنتَ من علمنا كيف نمسك ونكتب بالقلم ، أنتَ من علمنا جمع الحروف وتركيب الجمل ونثر الدرر ، أنت من علمنا المبتدأ والخبر بخطأ ثابتة واثقة واخبرنا عن الماضي والمضارع واستشراف المستقبل ، تعلمنا الإعراب ومعنى الأعراب عرفنا نضب قبل أن نعرف جف عرفنا شاهق وسامق قبل أن نعرف عالٍ ، فاعتلى تلاميذك سلم العلم والتعلم والمجد اليوم أستاذي الجليل أمسك اليراع لأكتب حروف عنك أستاذي نضب حبري وانكسر يراعي فانفرط عقد الحروف فتناثرت الكلمات والجمل والتعابير وسرح الخيال في تلك الأيام الجميلة.فلم أجد تعبيراً لغوياً في خضم ثورة المعلومات التي نعيشها لأعبر به عن شخصك ومكانك في نفسي ونفوس زملائي ( الدفعة 22 ) إلا كلمات خجلة –أنت عظيم ، أنت شمعة لا تنطفئ – أنت علمتنا الأدب قبل العلم ، والحب قبل الاحترام فلك الانحناءة والتحية ، فنحن مدينين لك ولن نوفيك حقك وظللت رسماً في مخيلة كل واحد من تلاميذك .أسأل الله لك الصحة والعافية وأن يمتعك بجمالك في الخلق والخُلق/ تلميذك أبوعبيدة البشير(ابن الجراح)