البغلة في الابريق!!!

من طرف ود..نقد الجمعة أبريل 09, 2010 8:31 pm

حيث يروى في الاساطير ان الشيطان رأى رجلا فقيرا متبرما في قرية اهلها من الاثرياء، وللقرية «عمدة» بالغ الثراء يهوى شراء البغال، قال الشيطان للفقير: يا هذا، ان لك عندي هدية ترأب بها صدوعك وتدفن فقرك الى الابد، فالتفت الرجل الفقير المعدم مذعورا وهو يسمع كلام الشيطان ولا يراه، وصاح جزعا: ماذا عندك؟
قال الشيطان: لقد ساءني بؤسك وسوء حالك يا رجل، فقررت ان اتحول فورا الى بغلة عتية متينة، وما عليك الا ان تقتادني الى السوق، وهناك سيدفع احد اخوتي بالعمدة لكي يشتريني منك ليشبع نهم هواياته، وعند ذلك تطلب ما تشتهي من الدنانير ذهبا عينا.
وفعلا تم الأمر، واشترى العمدة تلك البغلة التي لم يكن قد رأى طوال حياته نظيرا لها، وعاد الى داره جذلان فرحان.
وكان من عادة اهل القرية تلك، اذا اشترى احدهم عمدة او سوقة دابة جديدة، ان يولم بوليمة عظيمة لوجهاء القرية واعيانها دون فقرائها، وعقب انصراف المدعوين إثر الوليمة افترش العمدة «مصطبة المضيفة» ليقيل والبغلة مربوطة قبالته في حوش الدار، وانقطع كل صوت حتى نباح كلاب القرية التي كانت مشغولة مع قططها بالتهام الفتات والعظم.
وساد صمت غشيت خلاله سنة من النوم او النعاس اجفان العمدة، وما كاد يغمض حتى علت زفرات مزعجة من البغلة المربوطة، فطار النوم وحملق العمدة في مشتراه الجديد فاذا به يراها ترفس الارض بارجلها الاربع وتقطع الرباط من الوتد وتتحرك مقتربة نحو ابريق الماء الذي كان غير بعيد من المصطبة، ثم اخذت البغلة تتضاءل حجما وتصغر جرما حتى قفزت الى داخل الابريق، وطفقت تطل برأسها واذنيها الطويلتين من فتحة الابريق ثم تختفي داخله، وتكرر ذلك على مشهد من الرجل الذي جلس على فراشه القرفصاء فاغرا فمه مبهوتا في صمت مما يرى بعينيه اللتين في رأسه. وما لبث حتى صاح «يا ناس البغلة في الابريق» فاجتمع اهل القرية من كل حدب وصوب وأخذوا يتبادلون النظرات ويتهامسون «لا حول ولا قوة الا بالله، لقد مسَّ عمدتنا الوقور طائف من الشيطان، يا ساتر لقد جن العمدة».
وحمل الناس عمدتهم الى مستشفى المجانين، وبعد عامين كاملين ظل خلالهما يصر مؤكدا «أن البغلة في الابريق» ثاب الى رشده، حتى اذا ما عاده الطبيب ذات يوم قائلا «ها يا عمدة البغلة في الابريق؟» رد بهدوء: كيف تدخل البغلة في ابريق هل انت مجنون ايها الطبيب؟
فكتب الطبيب ورقة تفيد بشفاء العمدة من لوثته، وعاد العمدة الى قريته وفرح الناس وابتهجوا، وبعد وليمة عودته بالسلامة، اخذ العمدة يعد نفسه للمقيل على ذات المصطبة، وما ان انصرف آخر المهنئين حتى اطلت البغلة برأسها من الابريق تلوح للعمدة بأذنيها الطويلتين فغطى العمدة عينيه بعمامته، وقال للشيطان «والله لن احدث بخبرك احدا، وكفاني ما عانيته من عامين بين المجانين».